انتخابات مشوّهة بالاعتقالات والتلاعب بالقانون: قيس سعيّد والبقاء في السلطة بأي ثمن

رفض تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية وإقصاء المرشحين

رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية التي تقضي بإعادة ثلاثة مرشحين إلى السباق الرئاسي. هذا الرفض أثار جدلاً واسعًا حول نزاهة العملية الانتخابية ومبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، وزاد من الاتهامات الموجهة إلى الرئيس قيس سعيّد باستغلال أجهزة الدولة لضمان فوزه بولاية ثانية في الانتخابات المقررة في 6 أكتوبر المقبل.

في 2 سبتمبر الجاري، وفي خطوة تُعتبر خرقًا واضحًا للقانون والدستور، رفضت هيئة الانتخابات تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية، وهي أعلى سلطة قضائية في الشؤون الانتخابية. الأحكام كانت تقضي بإعادة المرشحين منذر الزنايدي، وعبد اللطيف المكي، وعماد الدايمي إلى السباق الرئاسي. هذا التصرف غير المسبوق أثار تساؤلات حول جدوى إجراء انتخابات في مناخ سياسي يشهد إقصاءً لخصوم الرئيس الحالي.

تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية

تبرر الهيئة قرارها بعدم تلقيها نص الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية، إلا أن الناطق الرسمي باسم المحكمة، فيصل بوقرة، نفى ذلك مؤكدًا أن المحكمة قدمت كل الأحكام للهيئة ولمحامي المرشحين فور صدورها، وأن هذه الأحكام نهائية وغير قابلة للطعن وفقًا للقانون الانتخابي. ينص الفصل 31 من المرسوم عدد 55 لعام 2022 على أنه “يُقبل المترشحون الذين تحصّلوا على حكم قضائي بات، وتتولى هيئة الانتخابات الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين بعد انقضاء الطعون”.

احتجاز المرشحين وتصاعد القلق

تزايدت الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية عندما تم احتجاز المرشح العياشي الزمال فجر اليوم الذي أعلنت فيه الهيئة القائمة النهائية للمرشحين، بتهمة تزوير التزكيات، وصدر بحقه أمر إيداع بالسجن في 4 سبتمبر 2024. هذا التطور أضاف مزيدًا من القلق لدى التونسيين الذين يرون تراجعًا ملحوظًا في مستوى الحريات قبل موعد الانتخابات.

 

تقلص عدد المرشحين والتفرد بالسلطة

في ظل هذه الظروف، سيقتصر التنافس في الانتخابات الرئاسية على ثلاثة مرشحين فقط: الرئيس الحالي قيس سعيّد، وزهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب، والعياشي الزمال مؤسس حركة “عازمون”. تأتي هذه الانتخابات في سياق سياسي مختلف عن انتخابات 2014 و2019، خاصة بعد أن اختار قيس سعيّد في 25 يوليو 2021 التفرد بالسلطة، ملغيًا دستور 2014 ومُصدرًا دستورًا جديدًا في 2022.

اتهامات بانحياز هيئة الانتخابات

يتهم العديد من التونسيين هيئة الانتخابات بالانحياز للرئيس سعيّد، خاصة بعد وضع شروط ترشح تُعتبر في صالحه فقط، مثل جمع 10,000 تزكية من المواطنين موزعة على 10 دوائر انتخابية، مما يجعل المهمة شبه مستحيلة للبعض. يُضاف إلى ذلك اتهام رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر، بعدم الحياد والتعاون مع السلطة التنفيذية لتضييق الخناق على المنافسين.

تضييق الخناق على المناخ الديمقراطي

نجحت السلطات في تضييق الخناق على المناخ الديمقراطي من خلال ممارسات استبدادية، حيث تم توظيف أجهزة الدولة والهيئات المختلفة لتصفية خصوم الرئيس، مما جعل البلاد تبدو كسجن كبير يتسع للجميع. لا يفوّت الرئيس قيس سعيّد فرصة ظهور إعلامي دون التأكيد على شعاره “لا رجوع إلى الوراء”، لكن الواقع يشير إلى تراجع كبير في الحريات، مما يعيد البلاد إلى زمن الاستبداد الذي ساد قبل ثورة يناير 2011.

القضاء وتصفية الخصوم السياسيين

منذ الإعلان عن موعد الانتخابات في 3 يوليو الماضي، شهدت البلاد سلسلة من الأحكام القضائية ضد مرشحين محتملين، تضمنت السجن والمنع من الترشح مدى الحياة. تم توجيه تهم مختلفة لهم، منها شراء تزكيات وتقديم عطايا للتأثير على الناخبين. هذه الأحكام القضائية أثارت مخاوف بشأن استقلالية القضاء واستخدامه كأداة لتصفية الخصوم السياسيين.

 

الهروب من شبح السجن

في ظل هذه الظروف القمعية، اختار بعض المرشحين الفرار من البلاد تجنبًا للسجن. حاول المرشح الصافي سعيد اللجوء إلى الجزائر، بينما غادر المرشح نصر الدين السهيلي إلى كندا بسبب تهديدات بالسجن. هذه الخطوات تعكس حالة الخوف وعدم الثقة في النظام القضائي والانتخابي في البلاد.

أحكام غيابية ضد المنافسين

أصدرت وزارة العدل 63 حكمًا غيابيًا بالسجن لمدة أربعة أشهر ضد مرشحين سابقين من انتخابات 2014، بتهمة تزوير التزكيات، رغم مرور نحو عشر سنوات على تلك الانتخابات. يُنظر إلى هذه الخطوات على أنها محاولة لتصفية المنافسين المحتملين للرئيس سعيّد في الانتخابات المقبلة.

 

 

انحياز هيئة الانتخابات وتضييق الشروط

تعرضت هيئة الانتخابات لانتقادات واسعة بتهم الانحياز للرئيس سعيّد. يُشير المرشحون إلى أن الشروط الجديدة للترشح تخدم مصلحة الرئيس فقط، وتجعل من الصعب على الآخرين المنافسة. بالإضافة إلى ذلك، تم اتهام الهيئة بالتغاضي عن استخدام الرئيس لأجهزة الدولة في حملته الانتخابية، بينما تُشدّد على المرشحين الآخرين بمتطلبات صارمة.

 

تحجيم دور منظمات المراقبة

تم تهميش دور المنظمات المستقلة التي تراقب الانتخابات، حيث سحبت الهيئة اعتماد منظمة “أنا يقظ”، متهمةً إياها بعدم الحياد. هذا التهميش يقلل من شفافية العملية الانتخابية ويزيد من الشكوك حول نزاهتها.

غياب المناظرات واستطلاعات الرأي

تنامت المخاوف من إلغاء المناظرات التلفزيونية بين المرشحين، والتي تعتبر فرصة للناخبين للتعرف على برامجهم ومواقفهم. كما تم التضييق على شركات سبر الآراء، مما يقلل من الشفافية والمعلومات المتاحة للناخبين لاتخاذ قراراتهم.

تقييد حرية الصحافة والإعلام

تم تقييد حرية الصحافة من خلال التدخل في المحتوى الإعلامي وسحب بطاقات اعتماد بعض الصحفيين. غابت أيضًا الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، مما أثر على مراقبة المحتوى الإعلامي خلال الفترة الانتخابية. هذه الخطوات تعزز من هيمنة الدولة على وسائل الإعلام وتقلل من مساحة النقد والمعارضة.

دور عائلة قيس سعيّد في الحملة الانتخابية

تزايدت الانتقادات حول دور عائلة الرئيس قيس سعيّد في العملية السياسية واستخدامهم لأجهزة الدولة في الحملة الانتخابية. يُشار إلى أن نوفل سعيّد، شقيق الرئيس، يلعب دورًا محوريًا في إدارة الحملة، بالإضافة إلى أفراد آخرين من العائلة مثل عاتكة شبيل وفخري شبيل، أشقاء زوجة الرئيس. هذا الحضور العائلي المكثف يعيد إلى الأذهان تدخل العائلات في الشأن السياسي في فترات سابقة من تاريخ تونس.

تأثير العائلة على الحياة السياسية

تُثير مشاركة أفراد العائلة الرئاسية في الحملة الانتخابية تساؤلات حول مدى تأثيرهم على الحياة السياسية ومستقبل الحكم في تونس. يُقارن البعض هذا الوضع بما حدث في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث كان لعائلته، خاصة أصهاره من عائلة الطرابلسي، نفوذ كبير على السياسة والاقتصاد.

تعديل القانون الانتخابي قبل الانتخابات

لم تقتصر سيطرة عائلة سعيّد على الحملة الانتخابية فحسب، بل امتدت أيضًا إلى البرلمان، حيث تم تعديل القانون الانتخابي قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات. يُشير البعض إلى أن نوفل سعيّد لعب دورًا في هذا التعديل، مستغلًا علاقاته مع بعض النواب لتمرير التغييرات التي قد تخدم مصالح الرئيس وتُصعّب من مهمة المنافسين.

 

 

مخاوف من عودة ممارسات الماضي

يثير هذا التدخل العائلي مخاوف من تكرار ممارسات سابقة، حيث كانت العائلات الحاكمة تستغل نفوذها لتحقيق مصالحها، مما أدى في الماضي إلى فساد واستبداد دفع الشعب التونسي إلى الثورة. يبقى السؤال قائمًا حول ما إذا كانت تونس تواجه عودة لهذه الممارسات أم أن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة.

تواجه تونس تحديات كبيرة في مسارها الديمقراطي، مع تزايد المخاوف من انحياز مؤسسات الدولة لصالح الرئيس الحالي، وتضييق الخناق على الحريات وحقوق المرشحين الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يثير دور عائلة قيس سعيّد في العملية السياسية مخاوف حول مستقبل الديمقراطية في البلاد. يبقى التساؤل قائمًا حول مدى نزاهة الانتخابات المقبلة وقدرتها على التعبير عن إرادة الشعب التونسي. في ظل هذه الظروف، يُطرح السؤال: هل ستُجرى انتخابات حقيقية تعكس تطلعات الشعب، أم أنها ستكون مجرد واجهة لديمقراطية صورية في بلد أصبح سجنًا يتسع للجميع؟