تحوير وزاري في تونس: ماذا وراء إقالة وزيرين بارزين في الحكومة؟
في اللّيلة الفاصلة بين يوم السّبت 25 ماي 2024 والأحد 26 منه وعلى السّاعة الواحدة تقريبا قرّر رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد تعيين السيّد خالد النّوري وزيرا للدّاخليّة خلفا للسيّد كمال الفقيه الذّي يعتبر مقرّبا من رئيس الجمهوريّة وأكثر وزير يتمتّع بصلاحيّات في الدّاخل والخارج خاصّة في العلاقات مع الجانب الإيطالي وتحديدا في ملفّ الهجرة الغير شرعيّة ، صلاحيّات لا يتمتّع بها رئيس الحكومة نفسه ، كما تقرّر كذلك تعيين السيّد كمال المدوري وزيرا للشّؤون الإجتماعيّة خلفا للسيّد مالك الزّاهي الذّي يعتبر كذلك من الوزراء المقرّبين للرّئيس وأحد أعضاده في حملته الإنتخابيّة لسنة 2019 ، ويأتي هذا التّحوير بعد حملة الإعتقالات التّي طالت مؤخّرا عشرات النّشطاء السيّاسيين والحقوقيين والصّحفيين والمدوّنين والتّي عبّر على إثرها الإتّحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا عن انشغالهم وقلقهم ، هذا الانشغال والقلق الذّي اعتبره الرّئيس قيس سعيّد مسّا من السّيادة الوطنيّة وتدخّلا سافرا في الشّؤون الدّاخليّة لتونس داعيا وزارة الخارجيّة لإعلام سفراء هذه البلدان بذلك.
كما يأتي هذا التّحوير بعد يوم من مظاهرة شبابيّة لقوى يساريّة استهدفت شعاراتها بصفة مباشرة سياسة القمع والإضطهاد التّي ينتهجها قيس سعيّد ، حيث رفعت شعارات من قبيل :”جايك الدّور جايك الدّور يا قيس يا دكتاتور”،”املأ الحبوسات يا قضات التّعليمات”…
ويعتبر هذا التّحوير هامّا لا لكونه مسّ وزارتين هامّتين فحسب ولكن لأنّه طال وزيرين مقرّبين وسياسيين وقد يكونان الوزيرين المسيّسين الوحيدين في حكومة قيس سعيّد ورغم ذلك يقدّمهما الرّئيس ككبشي فداء لسياساته العقيمة والظّالمة على مرمى من الإنتخابات الرّئاسيّة -إن جرت-والتّي تبرز كلّ المؤشّرات مرّة أخرى رغبته الجامحة لخلافة نفسه.
فالكبش الأوّل ، وزير الدّاخليّة لإلباسه الإنتهاكات المتواترة لحقوق الإنسان من مداهمات وتعذيب وايقافات الرّأي والتّعبير ، أمّا الكبش الثّاني فهو لتغطية فشل السيّاسات الإجتماعيّة وعجز الصّناديق الإجتماعيّة ، كما أنّ هذا الوزير يسمّى على الشقّ النقابي باعتباره إبن أحد الكوادر السّابقين للإتّحاد العامّ التونسي للشغل ، وبما أنّ هذا الصّرخ العمّالي قد أصبح خانعا وخاضعا بالكامل فإنّ الحاجة في تمثيليّته صلب الحكومة لم تعد ذات جدوى ومن الأفضل الإستغناء عليه، إضافة إلى ذلك فإنّ التّحويرين يمكن اعتبارهما سببا لإبعاد أيّ شبح لمنافسة من نفس المنظومة خلال الإنتخابات القادمة وما استقبالهما بعد الإقالة مباشرة إلاّ دليلا على ضمان ولاءهما وحفظ الحدّ الأدنى من كرامتهما.
ومن جهة أخرى تمّ خلال هذا التّحوير إحداث كتابة دولة للأمن لدى وزير الدّاخليّة وهي خطّة محدثة يمكن قراءتها على أنّها استعداد للإستقواء الأمني خلال المحطّة الإنتخابيّة المرتقبة.