تونس: انتخابات “بدون “مرشّحين و”بدون” مراقبين و”بدون” حملة انتخابيّة؟
على بعد بضعة أيّام من الانتخابات الرّئاسيّة المقرّرة ليوم 6 أكتوبر 2024،لا يبدو هناك أيّ مظهر من مظاهر الإستعداد لها في تونس فالمواطن لا يعيش سوى على وقع أخبار الإيقافات والتّهديد والوعيد وعلى أخبار التّحويرات بدءا بالحكومة وصولا إلى الولّاة والمسؤولين المحلّيين أو على وقع برامج محتشمة للتّظاهر والإحتجاج في الشّوارع ،فليس هناك برامج ولا مشاريع تطرح للنّقاش والتّحاور بشأنها وليس هناك برامج لحملات انتخابيّة من اجتماعات عامّة بالجهات أو ظهور لمرشّحين في وسائل الإعلام ، بل تعرف هذه الوسائل تعتيما مفضوحا على أخبار المرشّحين أو على السجّال الدّائر بين هيئة الإنتخابات والمحكمة الإداريّة في مشهد سرياليّ وخرق واضح للقوانين لم تعرف تونس مثيلا له، فرغم الحكم بإرجاع ثلاثة مرشّحين إلى دائرة التّنافس في هذه الإنتخابات من طرف الجلسة العامّة للمحكمة الإداريّة لم تمتثل الهيئة العليًا المستقلة للانتخابات وواصلت الإبقاء على ثلاثة مرشّحين فقط وهم الرّئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد ورجل الأعمال المسجون حاليّا بتهمة تزوير التّزكيات العيّاشي الزمّال وأمين عامّ حركة الشّعب الموالي للرّئيس قيس سعيّد.
حملة المرشّح قيس سعيّد:
في الواقع لم يلتزم قيس سعيّد بموعد الحملة الانتخابية بل رأيناه ينطلق في حملته قبل ذلك بأشهر، فعلى غير عادته أدّي زيارات مكّوكيّة إلى عديد الجهات انطلاقا من ولاية قبلّي بالجنوب أين أعلن ترشّحه من هناك مستعملا وسائل وإمكانات الدّولة وصولا إلى القيام بجولات في العاصمة ومدن أخرى منتقدا في كلّ مرّة أداء المرفق العمومي في مجالات عدّة مثل توزيع المياه أو النّظافة أو النّقل وغيرها بمنطق المعارض وليس بمنطق من بيده جميع السّلطات وهو يقوم بذلك في تداخل بين وظيفته كرئيس للجمهوريّة وكمرشّح للإنتخابات رئاسيّة على الأبواب ،والملاحظ أنّه كثّف من ترؤّسه لمجلس الوزراء ،وقام خلال انطلاق الحملة الانتخابية بإصدار بيان انتخابيّ قاتم المحتوى والمضمون ، رغم خضرة اللّون الذّي اختاره له، حيث ركّز فيه على التّخوين والتّآمر وتفجير الدّولة من الدّاخل والإرتماء في أحضان الخارج والغرف المظلمة وهو مضمون تعوّد عليه التّونسيّون وألفوه منه ، ولم يشر البيان إلى مشاكل البلاد في جميع القطاعات وإلى معاناة المواطنين وإلى برامج واضحة للإصلاح الاقتصادي والإجتماعي وإلى علاقات خارجيّة !
حملة زهيّر المغزاوي
انطلق هذا المرشّح في نشر فيديوهات على شبكة التّواصل الإجتماعي منتقدا شعبويّة الرّئيس المنتهية ولايته واعدا بغد أفضل ، كما نشر بيانا محتشما ، ومهما فعل هذا المرشّح فإنّ التونسيين عموما يعتبرونه تابعا لقيس سعيّد ومواليا له وما قبول ترشّحه إلّا عمليّة لإيجاد منافس مهادن طيّع للرّفع من نسبة الإقبال لا غير !
حملة العيّاشي الزّمّال:
يتندّر البعض بأنّ هذا المرشّح يقوم بحملته داخل السّجون وفي مراكز البحث ،حيث أنّه منذ قبول ترشّحه وهو رهن الإيقاف من سجن إلى سجن ومن مركز احتفاظ إلى آخر شأنه شأن مدير حملته ،ولعلّ وضعيّته هذه قد جلبت له تعاطفا كبيرا معه من عموم المواطنين الذّين يجزمون أنّ التّهم المنسوبة إليه من تدليس للتّزكيّات وغيرها لا تعدو إلّا أنّها كيديّة! وبالرّغم عن سجنه قام هذا المترّشح بتسجيل سابق لعمليّة سجنه وهو بمثابة بيان انتخابي دعا فيه التّونسيّون إلى الوحدة الوطنيّة وعدم الإنسياق وراء شعارات الكراهيّة والتخوين والفتنة بأسلوب راق وحضاري.
هيئة عليا للإنتخابات غير مستقلّة:
بات واضحا أنّ الهيئة المشرفة على الإنتخابات منحازة إلى المرشّح قيس سعيّد الذّي عيّنها وأبقي عليها في مخالفة صريحة للقانون حيث تعتبر تركيبتها مخالفة للدستور ويظهر انحيازها خاصّة:
-عدم تنفيذ أحكام الجلسة العامّة للمحكمة الإداريّة القاضية بإرجاع ثلاثة مترشّحين للسبّاق الرئاسيّ.
-قبول بيان انتخابي للمرشّح قيس سعيّد يدعو فيه للكراهيّة والعنف والفتنة وهو ما يجرّمه القانون صراحة ويقضى بسجن كلّ مرشّح يقوم بذلك بفترة تتراوح بين ستّة أشهر وسنة سجنا.
-حرمان جمعيّات ومنظّمات مختصّة في مراقبة الإنتخابات من التّرخيص لمراقبة هذا الإستحقاق الإنتخابي ، مثل جمعيّة أنا يقظ وجمعيّة”مراقبون” وI Watch »،وهو نفس السّلوك سلكته مع عدد من الصّحافيين الذين حرموا من التّرخيص لتغطية الإنتخابات ،
وتبدو هذه الإنتخابات بمثابة سباق فيه متسابق وحيد دون منافسة و بحضور جمهور بلون واحد وبحكم منحاز يدوّن ما يمليه عليه المتسابق الأوحد ،إنّها مهزلة بأتمّ معنى الكلمة !