عودة العائلات الحاكمة في تونس: عائلة سعيد تحكم قبضتها على الحملة والبرلمان.
لطالما كانت العائلات الحاكمة جزءًا لا يتجزأ من اللعبة السياسية في تونس. فاليوم، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 30 أكتوبر 2024، نجد أن عائلة الرئيس قيس سعيد تشكل محورًا رئيسيًا في إدارة الحملة الانتخابية، بقيادة نوفل سعيد، شقيق الرئيس، وعاتكة شبيل وفخري شبيل، أشقاء زوجة الرئيس. هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان تاريخ تدخل العائلات في الشأن السياسي في تونس، حيث لم تكن هذه الظاهرة جديدة على البلاد، بل هي جزء من تقاليد السلطة التي كانت متبعة في العهود السابقة.
العائلات الحاكمة عبر التاريخ: بين السياسة والنفوذ
إن ما نشهده اليوم مع عائلة قيس سعيد يعيدنا بالذاكرة إلى فترة حكم زين العابدين بن علي، الذي كان لعائلته، وخاصة أصهاره من عائلة الطرابلسي، دور كبير في توجيه دفة الحكم. وقد تمكن أفراد من عائلة الطرابلسي من السيطرة على مفاصل الاقتصاد والسياسة بشكل شبه مطلق. كما لم يكن الباجي قائد السبسي بعيدًا عن هذا النهج عندما بدأ ابنه، حافظ قائد السبسي، في الصعود داخل حزب “نداء تونس”، حيث سعى الابن للتمركز في مواقع القيادة العليا، مما أثار العديد من الانتقادات والانقسامات داخل الحزب.
هذا المسار الذي اعتمده بن علي ثم قائد السبسي، يعود اليوم في عهد قيس سعيد، حيث تلعب عائلته دورًا بارزًا في حملته الانتخابية، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير العائلة على الحياة السياسية ومستقبل الحكم في تونس.
العائلة في قلب الحملة الانتخابية
تشير التقارير إلى أن العائلة الرئاسية، بقيادة نوفل سعيد، المحامي ومدير الحملة، هي التي تتحكم في مختلف تفاصيل الحملة الانتخابية، من تجميع التزكيات إلى تنسيق الأنشطة الميدانية. وقد أثبتت العائلة قدرتها على إدارة المشهد الانتخابي بشكل يضمن استمرار الرئيس سعيد في السلطة. نوفل سعيد، الذي لعب دورًا أساسيًا في انتخابات 2019، عاد اليوم ليقود الحملة مجددًا، وسط تزايد في حضور عائلته على الساحة السياسية.
ما يميز الحملة الحالية هو ظهور أفراد آخرين من العائلة، مثل عاتكة شبيل وفخري شبيل، والذين كانوا غائبين عن الساحة السياسية في الفترات السابقة. هذا التوسع في نفوذ العائلة يجعل من الصعب عدم المقارنة مع تجارب العائلات الحاكمة السابقة، مثل الطرابلسية في عهد بن علي، وحافظ السبسي في عهد الباجي قائد السبسي.
الخروج إلى العلن: تحديات ومخاوف
إن بروز العائلة في الحملة الانتخابية الحالية قد يكون رد فعل طبيعي على التحولات السياسية التي شهدتها تونس منذ 25 يوليو 2021. حيث تمثل هذه الفترة مرحلة حاسمة بالنسبة للرئيس قيس سعيد، الذي يعتبر الانتخابات المقبلة معركة بقاء أو فناء. ويبدو أن الرئيس يعتمد بشكل كبير على أفراد عائلته لضمان الفوز في هذه المعركة.
غير أن هذا الحضور العائلي المكثف يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل تونس السياسي. فهل يعني ذلك عودة إلى ممارسات الماضي حيث كانت العائلات الحاكمة تستغل نفوذها لتحقيق مصالحها؟ وكيف سيؤثر ذلك على استقرار النظام السياسي والديمقراطي في البلاد؟
تلاعب بالقانون الانتخابي: البرلمان تحت سيطرة نوفل سعيد
لم تقتصر سيطرة عائلة سعيد على الحملة الانتخابية فقط، بل امتدت أيضًا إلى البرلمان، حيث لعب نوفل سعيد دورًا محوريًا في تغيير القانون الانتخابي قبل أيام قليلة فقط من موعد الانتخابات. في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، استغل نوفل علاقاته مع عدد من النواب، الذين تقدموا بمقترح لتعديل القانون الانتخابي في وقت حرج جدًا. ما أثار الريبة أكثر هو أن هؤلاء النواب أنفسهم كانوا في اليوم التالي للتصويت على القانون، يظهرون جنبًا إلى جنب مع نوفل سعيد في الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد، مما عزز الشكوك حول تورط نوفل في توجيه هذا التعديل لخدمة مصالح عائلية وسياسية.
وقد صرح العديد من النواب، بمن فيهم أعضاء من المعارضة، بأن نوفل سعيد كان القوة الدافعة وراء هذا التعديل المفاجئ. الأكثر إثارة هو أن إحدى النائبات التي اقترحت تعديل القانون، لم تكن على دراية بمحتوى نص اقتراحها، وهو ما يُفسر بأنها قد تلقت المقترح جاهزًا لتمريره في البرلمان دون أدنى تدخل منها. هذا الأمر زاد من التأكيدات حول تدخل نوفل سعيد المباشر في صناعة القرارات السياسية، مما يعيد للأذهان دور العائلات الحاكمة في توجيه مؤسسات الدولة وفقًا لمصالحها الخاصة.
العودة إلى ممارسات العائلات الحاكمة: من الطرابلسية إلى السبسي
إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، نرى أن زين العابدين بن علي قد استخدم عائلته، وخاصة أصهاره، كوسيلة للسيطرة على الدولة. وقد نتج عن هذا النفوذ العائلي فساد مستشري في جميع المؤسسات الحكومية. وبعد الثورة، توقع الكثيرون أن تونس ستبتعد عن هذه الممارسات، إلا أن عودة حافظ قائد السبسي إلى الساحة السياسية في عهد والده كانت بمثابة مؤشر على أن العائلات لا تزال تسعى للبقاء في مركز القوة.
ما نشهده اليوم مع عائلة قيس سعيد ليس جديدًا في السياسة التونسية، بل هو تكرار لنمط قديم حيث يتم دمج العائلة في قلب السلطة، سواء من خلال المناصب الحكومية أو التلاعب بالانتخابات والتشريعات. ويبدو أن نوفل سعيد وأشقاؤه يسيرون على نفس النهج، مستفيدين من تجارب الماضي لضمان مستقبل سياسي مستمر للعائلة.
هل نحن أمام عودة “الطرابلسية” بنسخة جديدة؟
في ظل هذا الوضع، تبدو تونس على مفترق طرق. فبينما تسعى العائلة الرئاسية إلى تأكيد هيمنتها على المشهد السياسي، تظل هناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي هذا النفوذ العائلي إلى تكرار أخطاء الماضي. فقد علمتنا تجربة زين العابدين بن علي أن تدخل العائلة في السياسة يؤدي غالبًا إلى فساد واستبداد، وهو ما دفع الشعب التونسي إلى الثورة في المقام الأول.
لكن، هل ستكون هذه المرة مختلفة؟ وهل سيتمكن قيس سعيد وعائلته من تجنب تكرار سيناريوهات الماضي؟ فقط الزمن كفيل بالإجابة على هذه التساؤلات..