ليبيا: عندما تصبح الثروة النفطية وقودًا لصراعات داخلية

تعتبر ليبيا إحدى الدول الأفريقية الغنية بالموارد النفطية، إلا أن هذه الثروة تحولت إلى مصدر للصراعات الداخلية منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011. قبل الثورة، كان إنتاج النفط الليبي يصل إلى 1.6 مليون برميل يوميًا، لكنه انخفض إلى نحو 1.2 مليون برميل بعد الثورة. هذا الانخفاض لا يعكس بالكامل حجم الاضطرابات التي واجهتها البلاد على مدى العقد الأخير.

منذ البداية، كان النفط في قلب الأزمة الليبية، حيث تتركز معظم الحقول النفطية في الشرق والجنوب، وهي المناطق التي يسيطر عليها الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، بينما تتواجد إدارة إيرادات النفط في العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا. هذا الانقسام الجغرافي والسياسي جعل من النفط عنصرًا أساسيًا في الصراع بين الأطراف المتناحرة.

وفقًا للكاتب الليبي أحمد التهامي، فإن الصراع حول النفط في ليبيا يبرز بشكل خاص عندما تسعى الأطراف المتناحرة إلى استغلاله لتحقيق مكاسب سياسية، وغالبًا ما يستخدم النفط كحجة في وسائل الإعلام لتحويل الانتباه عن الأهداف الحقيقية لهذه الأطراف.

قطاع النفط في غياب “الحارس”

تملك ليبيا احتياطيًا كبيرًا يقدر بأكثر من 48 مليار برميل من النفط و15 تريليون متر مكعب من الغاز، مما يجعلها من أبرز الدول النفطية في أفريقيا. لكن على الرغم من هذا الكم الهائل من الموارد، يعاني القطاع من تداعيات الانقسام السياسي. يوضح الخبير القانوني عثمان الحضيري أن استقرار هذا القطاع لن يتحقق إلا بتوحيد الحكومة وتنظيم انتخابات شفافة.

قبل سقوط نظام القذافي، كان الأخير يلعب دور “الحارس” على الثروة النفطية، منسقًا بين الجهات المختلفة لحمايتها. لكن مع غياب هذا الدور، تحول القطاع إلى ساحة للصراع. حاول مصطفى صنع الله، الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنفط، لعب هذا الدور لكنه لم ينجح. الآن تحاول حكومة الوحدة الوطنية عبر المجلس الأعلى للطاقة تولي هذه المهمة، رغم غياب الشرعية القانونية لهذا المجلس.

الموارد النفطية الليبية

تمتلك ليبيا خمسة أحواض رئيسية للنفط، أربعة منها تنتج النفط الخام: حوض سرت، حوض غدامس، حوض مرزق، وحوض تريبوليتانيا البحري. أهم هذه الأحواض هو حوض سرت الذي يضم 16 حقلًا نفطيًا، منها حقل السرير الذي يحتوي على 89% من إجمالي النفط المكتشف في ليبيا.

أما حوض مرزق في الجنوب الغربي فيحتوي على حقل الشرارة الذي ينتج نحو 25% من إجمالي إنتاج ليبيا. إلى جانب ذلك، توجد حقول أخرى مهمة مثل حقل الفيل وحقل الوفاء. كل هذه الحقول تواجه تهديدات مستمرة نتيجة الاضطرابات السياسية.

الإغلاق المستمر للقطاع

منذ سقوط نظام القذافي، تعرضت الحقول النفطية لعشرات حالات الإغلاق، وكان آخرها في يناير 2024. ومع ذلك، شهد القطاع استقرارًا نسبيًا بعد تولي فرحات بن قدارة رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط في عام 2022، حيث ساهمت علاقاته الجيدة مع مختلف الأطراف في تقليل هذه الإغلاقات.

إضافة إلى الصراعات السياسية، يعاني سكان المناطق المنتجة للنفط من آثار بيئية وصحية نتيجة الانبعاثات والتلوث، مما يزيد من تعقيد الوضع في ظل الفوضى السياسية الحالية.