ليبيا : عيد الثورة 13 عاما من الانقسام وعدم الاستقرار السياسي
يحيي الليبيون، السبت، الذكرى الـ 13 لثورة 17 فبراير 2011، وسط تجاذبات سياسية لم تستثن حتى هذه المناسبة التاريخية، إذ بينما يسود جو احتفالي في مدن غرب البلاد، تجاهلت المنطقة الشرقية الاحتفالات.
وقررت حكومة غرب ليبيا برئاسة، عبد الحميد الدبيبة، الاحتفاء بالذكرى في “ميدان الشهداء”، وسط العاصمة طرابلس، وهو ما عزفت عنه حكومة الشرق، التي يقودها، أسامة حماد، بمبرر “الحفاظ على المال العام”، والتضامن مع ضحايا فيضانات درنة.
وانتقد مؤيدو حكومة شرق البلاد الاحتفالات مشيرين إلى “إسراف” و”بذخ” الخصوم في حكومة طرابلس، وهو ما رد عليه أنصار الأخيرة بأن شرق ليبيا أنفق مؤخرا بـ”سخاء” على الاحتفالات باختيار بنغازي عاصمة للثقافة الإسلامية.
وتعكس هذه المناوشات في الإعلام والشبكات الاجتماعية استمرار حالة الانقسام السياسي الحاد في البلاد، بعد أزيد من عقد على الثورة ضد نظام العقيد، معمر القذافي، حينما سقطت الثورة فريسة للفصائل والجماعات المسلحة والسلطات المتنافسة، فتدحرجت البلاد إلى أزمة بالغة التعقيد حالت دون إنجازها العملية السياسية الانتقالية، وهو ما عمق بدوره الانفلات الأمني وتسبب في تدهور اقتصادي.
ويتبادل الفرقاء الاتهامات حول أسباب الانحراف والعثرات التي أعقبت الثورة، ففي حين يتهم بعض المراقبين النخب السياسية بـ”الفساد” و”الاستبداد”، يؤكد آخرون أن السبب راجع إلى التدخلات الخارجية، وهو ما يعطل التسوية السياسية الحاسمة في هذا البلد المغاربي.
أسباب انحراف الثورة
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الليبي المقيم في لندن، مفتاح لملوم، إن “السبب في ما يحدث راهنا في ليبيا يجد جذوره في فترة حكم القذافي التي دامت 42 عاما، فقد تم تغييب الشعب الليبي لنحو نصف قرن، وتعوّدت النخب على الخنوع وأن تُقاد من قبل شخصية مستبدة”.
ويضيف لملوم، في تصريحات لـ”أصوات مغاربية”، أن “الشعب الليبي لم يكن مسيساً، والانتفاضة ضد القذافي قادتها مجموعة من الوطنيين، وحققت بمساعدة من العالم الخارجي الانتصار، لكن سرعان ما تشوهت الثورة خلال أول انتخابات برلمانية، إذ انسحب الثوار من المشهد ثم مسكت النخب المتسلقة بزمام السلطة”.
ويؤكد أن “هذه الانتخابات طُعن فيها منذ البداية، لأنها بُنيت على قانون باطل وفقاً للمحكمة الدستورية نفسها، إلا أن الظروف والتدخلات الأجنبية أوجدت ما يعطي مبررا لميلاد ليس فقط مجلس النواب، إنما أيضا مجلس الدولة، وهما جسمان مشوهان”.
ويرى المحلل الليبي أن “الثورة انحرفت منذ أن انسحب قادتها وعادوا إلى حياتهم الطبيعية ووظائفهم”، وأن “جلّ الأطراف التي بقيت بالساحة ترتزق على حساب معاناة الشعب الليبي، والنتيجة هو بعد 13 سنة لا يتصدر المشهد سوى أسماء معروفة تتكالب على النفوذ والحكم والاغتناء من خزينة الدولة، وهذا واضح في تقارير الأجهزة الرقابية المحلية والتقارير الدولية”.
ويتخوف لملوم من “صعود شخصية عسكرية ذات نزعة استبدادية قد تكون أسوأ من القذافي نفسه”، مشيرا إلى أن “تقسيم الوطن بين الشرق والغرب يتبلور اليوم في اتجاه تمزيق ليبيا برمتها إلى أربع دويلات بأعلام مختلفة”.
وبخصوص مآلات الوضع الحالي، توقّع لملوم استمرار المأزق السياسي والعسكري، “إلا في حالة تجدد أعمال العنف وسيطرة طرف على آخر بقوة السلاح”، أو “عبر انتفاضة عارمة وغير مسبوقة للشعب الليبي تُنهي سيطرة النخب الحالية جميعا”.
مآلات الوضع الراهن
من جانبه، يعتقد الخبير في الشؤون الليبية، محمد السلاك، أن “هناك ثلاث نقاط رئيسية أخرجت ثورة 17 فبراير عن مسارها: انسحاب حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا مبكراً، ثم تسارع التدخلات الخارجية، وأخيرا انتشار السلاح”.
ويضيف السلاك، وهو المتحدث السابق باسم “المجلس الرئاسي الليبي”، أن ليبيا “أسقطت بمساعدة حلف ناتو دكتاتورا في 2011 ثم وجدت نفسها أمام ألف دكتاتور آخر، واليوم تعيش البلاد على وقع اقتتال بين الميليشيات المختلفة واختفاءات قسرية واعتقالات عشوائية وممارسات استبدادية”.
ويردف: “إذا كان المجتمع الدولي جادا في حماية المدنيين، وهو مبرر ناتو للتدخل في ليبيا خلال الثورة، فالمدنيون يقتلون باستمرار في كل أنحاء البلاد”، متأسفاً من أن ناتو غادر ليبيا قبل أن تكتمل العملية السياسية في البلاد.
وانتقد المسؤول الليبي السابق أيضا، في اتصال مع “أصوات مغاربية”، استمرار التعامل الدولي مع الملف الليبي “بمنطق المغانم” و”استغلال ظروف البلاد بدلاً من مساعدتها على الاستقرار”.
وبخصوص آفاق الحل السياسي، يُشدد السلاك على أن “الحل خرج من أيدي الليبيين”، مؤكدا “ضرورة وجود إرادة دولية جامعة حول ماهية الحل في البلاد”، وأن “أي توافق دولي سيقود إلى توافق داخلي”.
وعلاوة على أهمية وجود موقف دولي موحد، يؤكد المتحدث أيضا أهمية “ضبط فوضى السلاح، وهي مسألة مُلحة للغاية إن كنا نبحث عن سلام واستقرار مستدامين” في البلاد.
وبشأن آفاق نهاية الجمود السياسي الحالي، يقول السلاك إن “الإهمال الدولي لا يشي بإمكانية وجود حل في الوقت القريب”، مستدركا “رغم ذلك نأمل بحراك متجدد يدفع الأطراف المحلية إلى حسم المسار الدستوري والقانوني وتشكيل جهاز تنفيذي موحد قادر على حكم كل أنحاء البلاد وتوحيد المؤسسات السيادية وخلق مناخ أمني ملائم لتعبيد الطريق نحو العملية الانتخابية”.