من واشنطن إلى شمال إفريقيا: كيف ستعيد الانتخابات الأمريكية رسم خارطة السياسة الإقليمية؟
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، تتوجه الأنظار إلى واشنطن لترقب تأثير نتائج هذه الانتخابات على السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في شمال إفريقيا. ستتأثر علاقات الولايات المتحدة مع كل من تونس، ليبيا، الجزائر، والمغرب، بناءً على استراتيجيات الإدارة المقبلة تجاه هذه الدول. في هذا السياق، سنحلل تأثير هذه الانتخابات المحتمل على كل دولة على حدة في شمال إفريقيا.
1. تونس: تحديات الديمقراطية والاستقرار السياسي
شهدت تونس بعد الثورة تحولات سياسية هامة جعلتها محط أنظار السياسة الخارجية الأمريكية، كونها التجربة الديمقراطية الأكثر نجاحًا في المنطقة. لكن البلاد تواجه حاليًا تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، خاصة بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد والتي لاقت انتقادات من الولايات المتحدة بخصوص احترام الدستور والمؤسسات الديمقراطية.
الإدارة الديمقراطية: إذا أعيد انتخاب إدارة تميل إلى دعم الديمقراطية، كما هو الحال مع جو بايدن، فقد تستمر الولايات المتحدة في الضغط على تونس لتعزيز سيادة القانون، حقوق الإنسان، والعودة إلى مسار ديمقراطي مستقر. ستكون هناك مساعٍ لتعزيز الدعم الاقتصادي، لكن بشروط مرتبطة بالإصلاحات السياسية والشفافية.
الإدارة الجمهورية: في حال فوز مرشح جمهوري، قد يخف التركيز على حقوق الإنسان والديمقراطية مقابل تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب. العلاقات الاقتصادية قد تشهد زخمًا في حال تبني سياسات تشجع الاستثمار في القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والسياحة.
2. ليبيا: الصراع والاستقرار الأمني
تعتبر ليبيا ساحة صراع أساسية في شمال إفريقيا، حيث يتنافس الفاعلون الإقليميون والدوليون على النفوذ في ظل استمرار الأزمة السياسية والأمنية. الدور الأمريكي في ليبيا كان حذرًا، معتمدًا بشكل أساسي على دعم الحلول الدبلوماسية الدولية التي تقودها الأمم المتحدة.
الإدارة الديمقراطية: إدارة بايدن ركزت على دعم العملية السياسية في ليبيا من خلال الوساطة الدولية، وقد تتواصل هذه السياسة في حال إعادة انتخابه، مع تعزيز الدعم الدبلوماسي لتحقيق الاستقرار السياسي. كما أن مكافحة الإرهاب في ليبيا ستظل أولوية، خصوصًا فيما يتعلق بتقليص نفوذ الجماعات الإرهابية المسلحة مثل “داعش”.
الإدارة الجمهورية: قد تتبنى إدارة جمهورية نهجًا أكثر قوة من خلال تقديم دعم أكبر للحلفاء المحليين، مثل الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. قد يشهد هذا الدعم العسكري تعزيزًا، ما قد يؤدي إلى مزيد من التدخلات المباشرة أو غير المباشرة في الأزمة الليبية.
3. الجزائر: بين النفط والأمن
الجزائر، بحكم موقعها الجغرافي وثرواتها الطاقية، تلعب دورًا مهمًا في الاستراتيجية الأمريكية في شمال إفريقيا. تعتمد العلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر بشكل رئيسي على التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة في منطقة الساحل، بالإضافة إلى شراكات الطاقة.
الإدارة الديمقراطية: قد تشهد العلاقات الأمريكية-الجزائرية استمرارية في التعاون الأمني، مع دفع نحو تعزيز حقوق الإنسان والإصلاحات السياسية. الجانب الطاقي سيظل محوريًا في التعاون، خاصة في ظل الأزمات الطاقية العالمية والبحث عن بدائل للطاقة الروسية.
الإدارة الجمهورية: إذا فازت إدارة جمهورية، قد تركّز أكثر على المصالح الاقتصادية والأمنية، مع تجاهل قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسي. قد تتعزز العلاقات الطاقية بشكل أكبر، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تستثمر في قطاع الغاز الطبيعي الجزائري لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي.
4. المغرب: الصحراء الغربية والعلاقات الاقتصادية
المغرب يعد أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة في شمال إفريقيا، وقد تعززت العلاقات الثنائية بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية خلال إدارة ترامب. يمثل هذا الملف محورًا حاسمًا في العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى التعاون في مجالات الأمن والتجارة.
الإدارة الديمقراطية: على الرغم من بعض الانتقادات الأولية لإدارة بايدن بشأن ملف الصحراء الغربية، لم تتراجع الإدارة عن قرار الاعتراف. قد تستمر الولايات المتحدة في دعم المغرب اقتصاديًا وعسكريًا، خاصة في ظل تصاعد التوترات مع الجزائر، لكن قد تواجه الرباط ضغطًا بخصوص ملف حقوق الإنسان.
الإدارة الجمهورية: في حال فوز مرشح جمهوري، من المرجح أن تتعزز العلاقات الأمريكية-المغربية، مع تعزيز الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. التعاون في مجالات الأمن، مكافحة الإرهاب، والتجارة سيتسع، خاصة مع التركيز على فتح أسواق جديدة في إفريقيا والشرق الأوسط.
ستعيد الانتخابات الأمريكية المقبلة رسم خارطة العلاقات بين واشنطن ودول شمال إفريقيا بشكل كبير. كل دولة في المنطقة ستتأثر بطريقتها الخاصة بناءً على سياسات الإدارة الجديدة، سواء كانت تلك السياسات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان أو الأمن والاقتصاد. الدول التي ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة مثل المغرب والجزائر قد تشهد تعززًا في التعاون الاقتصادي والأمني، بينما دول مثل تونس وليبيا قد تواجه تحديات جديدة في ظل تطورات المشهد السياسي الداخلي.